للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بألفاظ، فإذا أسقط من تلك الألفاظ شيء لا ينقص ذلك المعنى، بل يبقى على حاله.

والوجه الآخر: أن الإيجاز بالحذف أقوى دليلا على زيادة المعاني على الألفاظ؛ لأنا نرى اللفظ يدل على معنى لم يتضمنه، وفهم ذلك المعنى ضرورة لا بد منه، فعلمنا حينئذ أن ذلك المعنى الزائد على اللفظ مفهوم من دلالته عليه.

فإن قيل: إن المعنى الزائد على اللفظ المحذوف لا بد له من تقدير لفظ آخر يدل عليه، وتلك الزيادة بإزاء اللفظ المقدر.

قلت في الجواب عن ذلك:

هذا لا ينقض ما ذهبت إليه من زيادة المعنى على اللفظ؛ لأن المعنى ظاهر، واللفظ الدال عليه مضمر، وإذا كان مضمرا فلا ينطق به، وإذا لم ينطق به فكأنه لم يكن، وحينئذ يبقى المعنى موجودًا، واللفظ الدال عليه غير موجود، وكذلك كل ما يعلم من المعاني بمفهوم الخطاب.

ألا ترى أنك إذا قلت لمن دخل عليك: "أهلًا وسهلًا"، علم أن الأهل والسهل منصوبان بعامل محذوف، تقديره: "وجدت أهلا ولقيت سهلا"، إلا أن لفظتي "وجدت" و"لقيت" محذوفتان، والمعنى الذي دل عليه باق، فصار المعنى حينئذ مفهوما مع حذفهما، فهو إذا زائد لا محالة، وكذلك جميع المحذوفات على اختلافها، وتشعب مقاصدها، وهذا لا نزاع فيه لبيانه ووضوحه.

وقد سنح لي في زيادة المعنى على اللفظ في غير المحذوفات دليل أنا ذاكره، وهو أنا نجد من الكلام ما يدل على معنيين وثلاثة، واللفظ واحد، والمعاني التي تحته متعددة.

فأما الذي يدل على معنيين: فالكنايات جميعها، كالذي ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه -رضي الله عنهم- أنهم كانوا إذا خرجوا من عنده لا يتفرقون إلا عن ذواق، وهذا يدل على معنيين:

أحدهما: إطعام الطعام أي أنهم لا يخرجون من عنده حتى يطعموا.

<<  <  ج: ص:  >  >>