للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلى هارب ما يهتدي لمكانه ... ظلام ولا ضوء من الصبح ساطع

فهذا هو الكلام الذي ألفاظه وفاق معانيه، فإنه قد اشتمل على مدح رجل بشمول ملكه وعموم سلطانه، وأنه لا مهرب عنه لمن يحاوله، وإن صعد السماء، ثم ذكر جميع المهارب في المشارق والمغارب، وأشار إلى أنه يبلغ الظلام والضياء، وذلك مما لم تزد عبارته على المعنى المندرج تحته، ولا قصرت عنه.

ومن هذا الضرب قول أبي النواس١، وهو من نادر ما يأتي في هذا الموضع:

ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس

مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان٢ جني ويابس

حبست بها صحبي فجددت عهدهم ... وإني على أمثال تلك لحابس

تدار٣ علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس

قراراتها٤ كسرى وفي جنباتها ... مها تدريها٥ بالقسي الفوارس

فللراح٦ ما زرت عليه جيوبها٧ ... وللماء ما دارت عليه القلانس


١ ديوان أبي نواس ٢٩٥، وهي إحدى خمرياته.
٢ الزقاق جمع زق، وهووعاء من جلد يحمل فيه الماء ونحوه، والأضغاث جمع ضغث، وهو القبضة من الحشيش، وجنى جنى لساعته.
٣ في الديوان "تدور" وقبل هذا البيت بيتان أغفلهما ابن الأثير، وهما:
ولم أدر منهم ما شهدت به ... بشرق ساباط الديار البسابس
أقمنا بها يوما ويومين بعده ... ويوم له يوم الترحل خامس
والبسابس -جمع بسبس بالفتح- وهو القفر.
٤ في الأصل "قرار بها" وهو تحريف، والصواب عن الديوان.
٥ أدري الصيد خلته، وأدري غفلته بمعنى تحيتها.
٦ رواية الديوان: "فللمخمر".
٧ رواية الديوان: "جيوبهم"، والضمير عائد على الفوارس في البيت قبله، والمراد صورهم المرسومة على جنبات الكئوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>