للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبهة تحليله، ولا يتسارع إلى ذلك إلا من أعمى الله قلبه، ومحق كسبه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فجملوها، وباعوها وأكلوا أثمانها"، ونحن نأمرك أن تشمر في هذا الأمر تشميرًا يرهبه الناس، ولا تدع ربا حتى تضعه، وأول ربًا تضعه ربا العباس١؛ فتأديب الكبير قاض بتهذيب الصغير، والأسوة بالرفيع خلاف الأسوة بالنظير؛ وجل معاملة الربا تجري في سوق الصرف الذي تختلف به النقود، وتفترض فيه العقود، ويخاض في نار نيره إلى النار ذات الوقود، وبه قوم أوسعوا عيون الموازين غمزًا، وألسنتها همزًا ولمزًا، وأصبح الدرهم والدينار عندهم بمنزلة الصنمين: اللات والعزى، ولا يرى منهم إلا من الحرص مفاض على ثيابه، وقد جمع بين المعرفة بالحرام والهجوم على ارتكابه، فعدل ميل هؤلاء تعديلا، وتخولهم على مرور الأيام تخويلا، واعلم أنك قد وليت من الكيل، والميزان أمرين هلكت فيهما الأمم السالفة، فباشرهما بيدك مباشرة الاختبار والاختيار، ولا تقل أهلهما عثرة، فإن الإقالة لا تنتهى عن العثار، وكل هؤلاء من سواد الناس ممن لم يزك غرسه، ولا فقهت نفسه، وليس همه إلا فرجه وضرسه، فخذهم بآلة التعزيز التي هي نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، ومن آثارها أنها ترج أرض الرأس رجا، وتفرج سماءه فرجا، ويسلك بصاحبه هديا ونهجا. وقد كثر في الأسواق الخلابة والنجش٢، وتلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي، وتنفيق السلعة باليمين الكاذبة، وكل هذه من المحظورات التي وردت الأخبار النبوية ببيانها، والنهي عن تورد مكانها، فمن قارف شيئا منها جاهلًا بتحريمه فقومه بالتعليم، واهده إلى الصراط المستقيم، ومن عرف ما اقترف، فأذقه حر التأديب، قبل أن يذاق غدًا حر التعذيب، وأعلمه أن الأرزاق بيد الله تعالى لا ينقصها عجز


١ من خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع قوله: "وإن ربا الجاهلية موضوع -أي ساقط لا حساب عليه- وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب".
٢ النجش أن تواطئ رجلا إذا أراد بيعا أن نمدحه، أو أن يزيد الإنسان أن يبيع بياعة، فتساومه فيها بثمن كثير، لينظر إليك ناظر فيقع فيها، أو أن ينفر الناس عن الشيء إلى غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>