للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعد، ولا يزيدها حرص الكادح، وقد ينقلب الجاهد فيها بصفقة الخاسر، والوادع بصفقة الرابح، ومن سنة الله تعالى أن ينمي الحلال وإن كان يسيرًا، ويمحق الحرام، وإن كان كثيرًا.

ومن الناس من آتاه الله مالا فبث في الأسواق جنود ذهبه وورقه، واحتكر ما حمله الميزان من ذوات رطله، ووسعه الكيل من ذوات وسقه، فأصبح فقراء بلده في ضيق من عدم الرفق، ومدد الرزق، فليمنع هؤلاء أن يجعلوا رزق الله محتكرًا، ومعاش عباده محتجرًا، وليؤمروا بأن يتراحموا، ولا يتزاحموا، وأن يأخذ الغني منهم بقدر الكفاف، ويترك للفقير ما يعينه على الإسعاف، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من أرزاق الله تعالى ينزل بساحتنا، فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده، فذلك ضيف عمر، فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله".

وأما التسعير فإنه وإن آثره القاسطنون، وحكم به القاسطون، وقيل: إن في ذلك للفقير تيسير العسير، فليس لأحد أن يكون يد الله في حفظ ما رفع، وبذل ما منع، فقف أنت حيث أوقفك حكم الحق، ودع ما يعن من مصلحة الخلق، ولا تكن ممن اتبع الرأي والنظر، وترك الآية والخبر، فحكمة الله مطوية فيما يأمر به على ألسنة رسله، وليست مما يستنبطه ذو العلم بعلمه، ولا يستدل عليه ذو العقل بعقله، "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا"١.

ومما نأمرك به أن تمحو الصغيرة، كما تمحو الكبيرة، فإن لمم الذنوب كالقطر يصير مجتمعه سيلا متدفقا، وكان أوله قطرًا متفرقا.

وقد استمر في الناس عوائد تهاونوا باستمرارها، ولم ينظروا إلى ثقل أوزارها، فمن ذلك لبس الذهب، والحرير الذي لم يلبسه إلا من عدم عند الله خلاقا، وإن قيل: إنه


١ سورة النساء: الآية ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>