للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكم دافعوا من كربة قد تلاحمت ... علي وموج قد علتني غواربه١

فصدر البيت الثاني وعجزه يدلان على معنى واحد؛ لأن تلاحم الكرب عليه كتعالي الموج من فوقه، وإنما سوغ ذلك؛ لأنه مقام مدح وإطراء, ألا ترى أنه يصف إحسان هؤلاء القوم عند حدثان دهره في التكرير، وفي قبالته لو كان القائل هاجيا، فإن الهجاء في هذا كالمدح، والتكرير إنما يحسن في كلا الطرفين لا في الوسط.

واعلم أنه إذا وردت "إن" المكسورة المخففة قبل "ما" كانت بمعناها سواء.

ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} فـ"إن" و"ما" بمعنى واحد، وإذا أوردت من بعد "ما" كانت من باب التكرير كقولنا: "ما إن كذا وكذا" أي: ما يكون كذا وكذا، وإذا وردت في الكلام فإنما ترد في مثل ما أشرنا إليه من التكرير، فإن استعملت في غير ما يكون منها لفائدة ينتجها تكريرها كان استعمالها لغوا لا فائدة فيه.

وقد زعم قوم من مدعي هذه الصناعة أن أبا الطيب المتنبي أتى في هذا البيت بتكرير لا حاجة به إليه، وهو قوله٢:

العارض الهتن ابن العارض الهتن ابـ ... ـن العارض الهتن ابن العارض الهتن


١ الغوارب أعلى الموج وأعلى الظهر.
٢ ديوان المتنبي ٤/ ٢٠٩ من قصيدة له في مدح أبي عبيد الله محمد بن عبد الله القاضي الأنطاكي، ومطلعها:
أفاضل الناس أغراض لذا الزمن ... يخلو من الهم أخلاهم من الفطن

<<  <  ج: ص:  >  >>