للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من وجى حتى تلاقي محمدا

فإن الوجى والكلالة معناهما سواء، وإنما حسن تكريره ههنا للإشعار ببعد المسافة.

الضرب الثاني من القسم الثاني في تكرير المعنى دون اللفظ:

وهو غير مفيد، فمن ذلك قول أبي تمام:

قسم الزمان ربوعها بين الصبا ... وقبولها ودبورها أثلاثا١

وليس ذلك مثل التكرير في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ٢ فيما يرجع إلى تكرير اللفظ والمعنى، ولا مثل التكرير في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} ٣ فيما يرجع إلى تكرار المعنى دون اللفظ، وقول أبي تمام: الصبا والقبول لا يشتمل إلا على معنى واحد لا غير.

وهذا الضرب من التكرير قد خبط فيه علماء البيان خبطا كثيرا، والأكثر منهم أجازه، فقالوا: إذا كانت الألفاظ متغايرة والمعنى المعبر عنه واحدا فليس استعمال ذلك بمعيب، وهذا القول فيه نظر، والذي عندي


١ البيت من قصيدته في مدح مالك بن طوق ومطلعها:
قف بالطول الدراسات علاثا ... أمست حبال قطينهن رثاثا
"ديوان أبي تمام ١/ ٣١٤". وفي القاموس المحيط: القبول ريح الصبا؛ لأنها تقابل الدبور أو لأنها تقابل باب الكعبة أو لأن النفس تقبلها "مادة قبل".
وفي شرح الحماسة للمرزوقي: قيل في القبول إنها الصبا، وقال النصر بن شميل: القبول ريح بين الصبا والجنوب.
وقال ابن الأعرابي: القبول كل ريح لينة طيبة المس تقبلها النفس، فليس للرد على أبي تمام وجه. وقال ابن المستوفي: الصحيح أن الصبا هي القبول، وما الذي منع أبا تمام أن يجعل موضع "قبولها" "جنوبها" فكان يسلم من التشنيع عليه "ديوان أبي تمام ١/ ٣١٥ وقد ذكر الخفاجي نقد البيت "سر الفصاحة ٢٢٥" وكذلك أبو هلال ذكره "الصناعتين ١٢١".
٢ البقرة ٣٨.
٣ آل عمران ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>