للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: وأنت منهم, من محمود الاعتراض ونادره، وفائدته ههنا التصريح بما هو المراد، وتقدير هذا الكلام قبل الاعتراض: لو أن الباخلين رأوك، فاعترض بين اسم أن وهو الباخلين, وبين خبرها وهو رأوك بالمبتدأ, أو الخبر الذي هو "وأنت منهم".

ومن محاسن ما جاء في هذا الباب قول المضرب السعدي:

فلو سألت سراة الحي سلمى ... على أن قد تلون بي زماني

لخبرها ذوو أحساب قومي ... وأعدائي فكل قد بلاني١

وهذا اعتراض بين لو وجوابها، وهو من فائق الاعتراض ونادره، وتقديره: فلو سألت سراة الحي سلمى لخبرها ذوو أحساب قومي وأعدائي، وفائدة: "على أن قد تلون بي زماني" أي: إنهم يخبرون عني على تلون الزمان، يريد تنقل حالاته من خير وشر، وليس من عجمه الزمان وأبان عن جوهره كغيره ممن لم يعجمه ولا أبان عنه.

ومن ذلك قول أبي تمام:

وإن الغنى لي إن لحظت مطالبي ... من الشعر إلا في مديحك أطوع٢


١ في الأصل نسبة الشعر للمضرب السعدي، والصواب نسبتهما إلى ابنه سوار "شرح التبريري للحماسة ١/ ١٢٥".
٢ من قصيدته في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري، ومطلعها:
ألا إنه لولا الخليط المودع ... وربع عفا عنه مصيف ومربع
الديوان ٢/ ٣٣٣" قال أبو الفتح عثمان بن جني: الفصل بين المضاف والمضاف إليه كثير، وقد جاء الطائي الكبير بالتقديم والتأخير فقال: "البيت" وتقديره أن الغنى -لو لحظت مطالبي- أطوع لي من الشعر، إلا في مديحك، أي: فإنه يطيعني في مديحك ويسارع إلي. وهذا كقوله أيضا معنى ولفظا:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل

<<  <  ج: ص:  >  >>