الأقسام الثلاثة أم هي من جملتها? فإن كانت قسما رابعا، فذلك نقض للحصر الذي حصرته، وإن كانت من جملتها فإنك أعدت ذكرها ههنا مرة ثانية، وهذا المكرر لا حاجة إليه.
فالجواب عن ذلك أني أقول: أما الحصر الذي ذكرته في باب الاستعارة فهو ذاك، ولا زيادة عليه، وأما الكناية فهي جزء من الاستعارة، ولا تأتي إلا على حكم الاستعارة الخاصة؛ لأن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له، وكذلك الكناية، فإنها لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المكنى عنه، ونسبتها إلى الاستعارة نسبة خاص إلى عام، فيقال: كل كناية استعارة، وليس كل استعارة كناية، ويفرق بينهما من وجه آخر، وهو أن الاستعارة لفظها صريح, والصريح هو: ما دل عليه ظاهر لفظه، والكناية: ضد الصريح؛ لأنها عدول عن ظاهر اللفظ، وهذه ثلاثة فروق: أحدها الخصوص والعموم، والآخر الصريح، والآخر الحمل على جانب الحقيقة والمجاز. وقد تقدم القول في باب الاستعارة أنها جزء من المجاز، وعلى ذلك تكون نسبة الكناية إلى المجاز نسبة جزء الجزء وخاص الخاص.
وكان ينبغي أن تذكر الكناية عند ذكر الاستعارة في النوع الأول من هذه الأنواع المذكورة في المقالة الثانية، وإنما أفردتها بالذكر ههنا من أجل التعريض؛ لأن من العادة أن يذكرا جميعًا في مكان واحد.
وقد يأتي في الكلام ما يجوز أن يكون كناية، ويجوز أن يكون استعارة، وذلك يختلف باختلاف النظر إليه بمفرده والنظر إلى ما بعده، كقول نصر بن سيار في أبياته المشهورة التي يحرض بها بني أمية عند خروج أبي مسلم: