للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما ورد منها في الأخبار النبوية فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه كانت امرأة فيمن كان من قبلنا، وكان لها ابن عم يحبها، فراودها عن نفسها، فامتنعت عليه، حتى إذا أصابتها شدة فجاءت إليه تسأله، فراودها، فمكنته من نفسها، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة قالت له: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه, فقام عنها وتركها"، وهذه كناية واقعة في موقعها.

ومن ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رويدك سوقك بالقوارير" ١, يريد بذلك النساء، فكنى عنهن بالقوارير، وذاك أنه كان في بعض أسفاره وغلام أسود اسمه أنجشة يحدو، فقال له: "يا أنجشة رويدك بالقوارير" وهذه كناية لطيفة.

وكذلك ورد حديث الحديبية وذاك أنه لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الركية٢, جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من أهل تهامة، فقال: "تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا عداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت"٣, وهذه كناية عن النساء والصبيان، والعوذ: جمع عائذ، وهي الناقة التي وضعت وقوي ولدها، وهذا يجوز حمله


١ كان أنجشة يحدو بالنساء ركابهن, ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن، فلم يؤمن أن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن، أو يقع في قلوبهن حداؤه، فأمر أنجشة بالكف عن نشيده وحدائه حذار صبوتهن إلى غير الجميل. وقيل إن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب فأتعبته فنهاه عن ذلك؛ لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة. "لسان العرب مادة قرر والنهاية لابن الأثير ٣/ ٢٤٠.
٢ الركية: البئر.
٣ العوذ: جمع عائذ وهي من الإبل الحديثة النتاج. المطافيل: التي معها أولادها، يريد أنهم خرجوا ومعهم النساء والصبيان.
وفي سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري أن الذي لقى النبي صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان الكعبي أو بسر، وأنه لقيه بعسفان، وهو منهل بين الجحفة ومكة أو بين المسجدين، أو غير ذلك. فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا.
"سيرة ابن هشام ٢/ ٣٠٩ وتاريخ الطبري ٣/ ٧٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>