للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاز منه، وهو أنك لو صرفت ثمنه إلى دقيق تخبزه أو حطب تطبخ به كان خيرا، والمعنى متجاذب بين هذين الوجهين، فالرجل فهم منه الظاهر الحقيقي فمضى وأحرق ثوبه، ومراد عبد الله غيره.

ومن هذا القسم ما ورد من أمثال العرب كقولهم: إياك وعقيلة الملح، وذاك كناية عن المرأة الحسناء في منبت السوء، فإن عقيلة الملح هي اللؤلؤة وتكون في البحر فهي حسنة وموضعها ملح.

وكذلك قولهم: لبس له جلد النمر، كناية عن العداوة.

وقد يقاس على هذا أن يقال: لبس له جلد الأسد، ولبس له جلد الذئب، ولبس له جلد الأرقم؛ لأن هذا كله مثل قولهم: لبس له جلد النمر، إذ العداوة محتملة في الجميع.

وكذلك قولهم: "قلب له ظهر المجن" كناية عن تغيير المودة.

ومما ورد في ذلك شعرا قول أبي نواس:

لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المر من ثمره١

وهذا له حكاية، وهو أنه كان لأبي نواس صديقة تغشاه، فقيل له: إنها تختلف إلى آخر من أهل الريب، فلم يصدق ذلك حتى تبعها يوما من الأيام, فرآها تدخل منزل ذلك الرجل، ثم إن ذلك الرجل جاءه، وكان صديقا له، فكلمه، فصرف وجهه عنه، ثم نظم قصيدته المشهورة التي مطلعها:

أيها المنتاب عن عفره

وهذا البيت من جملة أبياتها.

وكذلك ورد قوله أيضا:


١ من قصيدته في مدح العباس بن عبيد الله، التي مطلعها:
أيها المنتاب عن عفره ... لست من ليلى ولا من سمره
"الديوان: ٤٢٧".
المنتاب: المتردد مرة بعد مرة. العفر: بسكون الفاء من ليالي الشهر السابعة والثامنة والتاسعة. وحرك الفاء لضرورة الشعر، يقول: أيها الزائر للسمر والحديث لست مني ولست منك؛ لأن ليلى لا يشبه ليلك، وسمري بعيد عن سمرك؛ لأني وفي وأنت غادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>