للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكي أنه لما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان جلس فيه, وجميع أهله وأصحابه، وأمرهم أن يخرجوا في زينتهم، فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم، فاستأذن إسحاق بن إبراهيم الموصلي في الإنشاد، فأذن له، فأنشد شعرا حسنا أجاد فيه، إلا أنه استفتحه بذكر الديار وعفائها فقال:

يا دار غيرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك

فتطير المعتصم بذلك، وتغامز الناس على إسحاق بن إبراهيم كيف ذهب عليه مثل ذلك مع معرفته وعلمه وطول خدمته للملوك، ثم أقاموا يومهم وانصرفوا، فما عاد منهم اثنان إلى ذلك المجلس وخرج المعتصم إلى سر من رأى، وخرب القصر١.

فإذا أراد الشاعر أن يذكر دارا في مديحه فليذكر كما ذكر أشجع السلمي حيث قال:

قصر عليه تحية وسلام ... خلعت عليه جمالها الأيام٢

وما أجدر هذا البيت بمفتتح شعر إسحاق بن إبراهيم الذي أنشده للمعتصم، فإنه لو ذكر هذا أو ما جرى مجراه لكان حسنا لائقا.


١ الصناعتين ٤٣٢ وفي سر الفصاحة ١٧٥ أن أبا نواس أنشد الفضل بن يحيى قصيدته التي مطلعها:
أربع البلى إن الخشوع لبادي ... عليك وإني لم أخنك ودادي
فتطير الفضل من هذا الابتداء. فلما انتهى إلى قوله:
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني برمك من رائحين وغاد
استحكم تطيره، فلم يمض إلا أسبوع حتى نكب بنو برمك، وقتل جعفر بن يحيى.
٢ الصناعتين ٤٣٣ وبه "نشرت".

<<  <  ج: ص:  >  >>