للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسئل بعضهم عن أحذق الشعراء فقال: من أجاد الابتداء والمطلع، ألا ترى إلى قصيدة أبي نواس التي أولها:

يا دار ما فعلت بك الأيام ... لم تبق فيك بشاشة تستام١

فإنها من أشرف شعره وأعلاه منزلة، وهي مع ذلك مستكرهة الابتداء؛ لأنها في مدح الخليفة الأمين، وافتتاح المديح بذكر الديار ودثورها مما يتطير منه، لا سيما في مشافهة الخلفاء والملوك, ولهذا يختار في ذكر الأماكن والمنازل ما رق لفظه وحسن النطق به، كالعذيب والغوير ورامة وبارق والعقيق، وأشباه ذلك٢, ويختار أيضًا أسماء النساء في الغزل نحو: سعاد وأميم وفوز وما جرى هذا المجرى.

وقد عيب على الأخطل في تغزله بقذور، وهو اسم امرأة، فإنه مستقبح في الذكر، وقد عيب على غيره التغزل باسم تماضر، فإنه وإن لم يكن مستقبحا في معناه فإنه ثقيل على اللسان، كما قال البحتري:

إن للبين منة لا تؤدى ... ويدا في تماضر بيضاء٣

فتغزله بهذا الاسم مما يشوه رقة الغزل، ويثقل من خفته، وأمثال هذه الأشياء يجب مراعاتها والتحرز منها.

وقد استثنى من ذلك ما كان اسم موضع تضمن وقعة من الوقائع، فإن


١ الديوان: ٤٠٧.
٢ أسماء أماكن ومياه يكثر ورودها في الشعر وبخاصة في الغزل.
٣ من قصيدته في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف "الديوان ١/ ١٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>