للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكره لا يكره، وإن كان في اسمه كراهة، كما ذكر أبو تمام في شعره مواضع مكروهة الأسماء لضرورة ذكر الوقائع التي كانت بها، كذكر الحشال وعقوقس وأمثالهما، وكذلك ذكر أبو الطيب المتنبي هنزيط وشميصاط وما جرى مجراهما، وهذا لا عيب في ذكره, لمكان الضرورة التي تدعو إليه.

وهكذا يسامح الشاعر والكاتب أيضًا في ذكر ما لا بد من ذكره وإن قبح، ومهما أمكنه من التورية في هذا المقام فليسلكها، وما لا يمكنه فإنه معذور فيه.

واعلم أنه ليس من شرط الابتداء ألا يكون مما يتطير منه فقط، فإن من الابتداءات ما يستقبح وإن لم يتطير منه، كقول أبي تمام:

قدك اتئب أربيت في الغلواء١

وكقوله:

تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي

وكقول أبي الطيب المتنبي:

أقل فعالي بله أكثره مجد٢


١
قدك اتئب أربيت في الغلواء ... كم تعذلون وأنتم سجرائي
مطلع قصيدته في مدح محمد بن حسان الضبي "الديوان ١/ ٢٢". قدك: حسبك. اتئب: استحى. سجرائي: أصدقائي.
٢
تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي ... وليس جنبي إن عذلت بمصحبي
مطلع قصيدته في مدح عياش بن لهيعة الحضرمي "الديوان ١/ ١٥٣".
تقي: أمر للواحد من تقي المخفف. جمحاتي: المراد ثوراتي وعصياني. الجنيب: المجنوب، والمراد به هواه ونفسه. يقول لعاذلته إن عذلك لا يجدي نفعا؛ لأني لا أطيع المؤنب. وليس قلبي منقاد إلا إذا لامني أحد.
٣
أقل فعالى بله أكثره مجد ... وذا الجد فيه نلت أم لا أقل جد
مطلع قصيدته في مدح محمد بن سيار بن مكرم التميمي "الديوان ٢/ ١٠٧".
الفعال: الفعل الحسن من الجود والكرم ونحوه. بله: اسم فعل بمعنى دع. الجد بكسر الجيم: الاجتهاد، وبفتحها الحظ. يقول: أقل فعلي مجد، دع أكثره، فكل أفعالي قليلها وكثيرها في سبيل المجد، وهذا السعي الدائب في سبيل المجد يعد حظا لي سواء نلت مطلوبي أم لم أنله.

<<  <  ج: ص:  >  >>