واستقر بمدينة الرقة وسقط الثلج نقض نقفور العهد، فلم يجسر أحد على إعلام الرشيد، لمكان هيبته في صدور الناس، وبذل يحيى بن خالد للشعراء الأموال على أن يقولوا أشعارا في إعلامه، فكلهم أشفق من لقائه بمثل ذلك، إلا شاعرا من أهل جدة يكنى أبا محمد، وكان شاعرا مفلقا، فنظم قصيدة وأنشدها الرشيد أولها:
نقض الذي أعطيته نقفور ... فعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه ... فتح أتاك به الإله كبير
نقفور إنك حين تغدر أن نأى ... عنك الإمام لجاهل مغرور
أظننت حين غدرت أنك مفلت ... هبلتك أمك ما ظننت غرور
فلما أنهى الأبيات قال الرشيد: أوقد فعل? ثم غزاه في بقية الثلج وفتح مدينة هرقلة.
وقرأت في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ما رواه من شعر سديف في تحريض الخليفة السفاح رحمه الله على بني أمية، فقال: قدم سديف من مكة إلى الحيرة والسفاح بها، ووافق قدومه جلوس السفاح للناس، وكان بنو أمية يجلسون على الكراسي تكرمة لهم، فلما دخل عليه سديف حسر لثامه، وأنشده أبياتا من الشعر، فالتفت رجل من أولاد سليمان بن عبد الملك وقال لآخر إلى جانبه: قتلنا والله العبد، فلما أنهى الأبيات أمر بهم السفاح فأخرجوا من بين يديه, وقتلوا عن آخرهم، وكتب إلى عماله بالبلاد يأمرهم بقتل من وجدوه منهم.