لكن فرق بين ما يجود بمائه، وما يجود بنعمائه، وبين ما يسم الأرض الماحلة، وبين ما يسمي الأدار الخاملة، وما زالت كتب الديوان العزيز تضرب لها الأمثال، وتصرف نحوها الآمال، ويرى الحسد فيها حسنا، وإن عد في غيرها من سيئ الأعمال", وهذا فصل من أول الكتاب.
ومن جملة الكتب المشار إليها مفتتح كتاب كتبته إلى بعض الإخوان, وأرسلته إليه من الموصل إلى أرض الشمال من بلاد الروم، وهو: "طلع كوكب من أفق المجلس السامي لا خلت سيادته من عدو وحاسد، ولا شينت بتوأم يخرجها من حكم الواحد، ولا عدمت صحبة الجدود المتيقظة في الزمن الراقد، ولا أوحشت الدنيا من ذكره الخالد, الذي هو عمر خالد، ولا زال مرفوعا إلى المحل الذي يعلم به أن الدهر للناس ناقد، والكواكب تختلف مطالعها في الشمال والجنوب، فمنها ما يطلع دائما في أحدهما وهو في الآخر دائم الغروب، وكتاب المجلس كوكب لم ير بهذه الأرض مطلعه، وإن علم من السماء أين موضعه، ولما ظهر الآن للخادم سبح له حامدا، وخر له ساجدا، وقال قد عبدت الكواكب من قبلي فلا عجب أن أكون لهذا الكوكب عابدا، وها أنا قد أصبحت بالعكوف على عبادته مغرى، وقال الناس هذا ابن كبشة الكتاب لا ابن أبي كبشة الشعري". وهذا مطلع غريب، والسياقة التالية لمطلعه أغرب.
ومن أغرب ما فيها قولي: "وها أنا قد أصبحت بالعكوف على عبادته مغرى، وقال الناس هذا ابن أبي كبشة الكتاب لا ابن أبي كبشة الشعري" والمراد بذلك أن أبا كبشة كان رجلا في الجاهلية يعبد الشعري فخالف بذلك دين قومه، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: هذا قد خالف ديننا، وسموه