للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن البديع في هذا الباب قول أبي نواس من جملة قصيدته المشهورة التي أولها:

أجارة بيتينا أبوك غيور

فقال عند الخروج إلى ذكر الممدوح:

تقول التي من بيتها خف مركبي ... عزيز علينا أن نراك تسير

أما دون مصر للغنى متطلب ... بلى إن أسباب الغنى لكثير

فقلت لها واستعجلتها بوادر ... جرت فجرى في جريهن عبير

ذريني أكثر حاسديك برحلة ... إلى بلد فيها الخصيب أمير١

ومما جاء من التخلصات الحسنة قول أبي الطيب المتنبي في قصيدته الدالية التي أولها:

عواذل ذات الخال في حواسد

وأورد نفسي والمهند في يدي ... موارد لا يصدرن من لا يجالد

ولكن إذا لم يحمل القلب كفه ... على حالة لم يحمل الكف ساعد

خليلي إني لا أرى غير شاعر ... فلم منهم الدعوى ومني القصائد

فلا تعجبا إن السيوف كثيرة ... ولكن سيف الدولة اليوم واحد٢


١ "الديوان ٤٨٠", من قصيدته في مدح الخصيب، بالديوان "عن بيتها" وفيه "الخصيب". بوادر: دموع مستبقات. عبير: رائحة ذكية، أي: اختلط هممها بعبيرها.
٢ من قصيدته في مدح سيف الدولة التي مطلعها:
عواذل ذات الخال في حواسد ... وإن ضجيع الخود مني لمساجد
"الديوان ١/ ٣٠٥".
لا يصدرن من لا يجالد: أورد نفسي في الحرب موارد هلاك لا يرجع واردها حيا. ومعنى البيت الثاني أن قوة الضرب إنما تكون بالقلب لا بالكف, فإذا لم تقو الكف بقوة القلب فإنها لا تقوى بقوة الساعد.
ومعنى البيت الرابع أنه في الشعراء ممتاز كسيف الدولة في السيوف، فكل منهما منقطع النظير, وإن كان له أشباه ونظائر في التسمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>