للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسليمان بن فهد وزيرا، وأبو جابر حاجبا، فالتمس شرف الدولة من هذا الشاعر أن يهجوه المذكورين ويمدحه، فأنشد هذه الأبيات ارتجالا، وهي غريبة في بابها: لم يسمع بمثلها، ولم يرض قائلها بصناعة التخلص وحدها، حتى رقي في معانيه المقصودة إلى أعلى منزلة، فابتدأ البيت الأول يهجو البرقعيدي، فجاءه في ضمن مراده ذكر أوصاف ليل الشتاء جميعها، وهي الظلمة والبرد والطول، ثم إن هذه الأوصاف الثلاثة جاءت ملائمة لما شبهت به مطابقة له، وكذلك البيت الثاني والثالث، ثم خرج إلى المديح بألطف وجه، وأدق صنعة, وهذا يسمى الاستطراد، وما سمعت في هذا الباب بأحسن من هذه الأبيات.

ومما يجري على هذا الأسلوب ما ورد لابن الحجاج البغدادي، وهي أبيات لطيفة جدا:

ألا يا ماء دجلة لست أدري ... بأني حاسد لك طول عمري

ولو أني استطعت سكرت سكرا ... عليك فلم تكن يا ماء تجري

فقال الماء ما هذا عجيب ... بم استوجبته يا ليت شعري

فقلت له لأنك كل يوم ... تمر على أبي الفضل بن بشر

تراه ولا أراه وذاك شيء ... يضيق عن احتمالك فيه صبري١

وما علمت معنى في هذا المقصد ألطف ولا أرق ولا أعذب ولا أحلى من هذا اللفظ، ويكفي ابن الحجاج من الفضيلة أن يكون له مثل هذه الأبيات.


١ معاهد التنصيص ٤/ ٢٥٣ وفيه البيت الثالث هكذا:
فقال الماء قل لي كل هذا ... بم استوجبته ياليت شعري
وفي البيت الأخير كلمة صدري بدلا من صبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>