للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تظن أن هذا شيء انفرد به المحدثون لما عندهم من الرقة واللطافة، وفات من تقدمهم لما عندهم من قشف العيش وغلظ الطبع، بل قد تقدم أولئك إلى هذا الأسلوب، وإن أقلوا منه وأكثر منه المحدثون، وأي حسن من محاسن البلاغة والفصاحة لم يسبقوا إليه? وكيف لا وهم أهله ومنهم علم وعنهم أخذ?

فمن ذلك ما جاء للفرزدق وهو:

وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب

سروا يخبطون الليل وهي تلفهم ... على شعب الأكوار من كل جانب

إذا ما رأوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب١

فانظر إلى هذا الاستطراد ما أفحله وأفخمه.

واعلم أنه قد يقصد الشاعر التخلص فيأتي به قبيحا، كما فعل أبو الطيب المتنبي في قصيدته التي أولها:

ملث القطر أعطشها ربوعا

فقال عند الخروج من الغزل إلى المديح:

غدا بك كل خلو مستهاما ... وأصبح كل مستور خليعا

أحبك أو يقولوا جر نمل ... ثبيرا وابن إبراهيم ريعا٢


١ "الديوان ١/ ٣٠" وكان البيت الأول بالأصل "عندها، لها قوة" والبيت الثاني "يخطبون" أما البيت الثالث فقد كان بالأصل "إذا آنسوا" وهي رواية معاهد التنصيص وفي الأغاني "إذا استوضحوا".
٢ "الديوان ٢/ ٤٢٧" في مدح علي بن إبراهيم التنوخي. ملث القطر: المطر الدائم. الخلو: الخالي من الهوى: المستهام: الذاهب اللب من الهوى. الخليع: الذي ترك الحياء وتهتك في الهوى. أو يقولوا: إلى أن يقولوا: ثبير: جبل بالحجاز. ريع: أخيف. ابن إبراهيم: هو على الممدوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>