للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أحسن ما قيل في مثل هذا الموضع قول ابن الرومي:

ذهب الذين تهزهم مداحهم ... هز الكماة عوالي المران

كانوا إذا مدحوا رأوا ما فيهم ... فالأريحية منهم بمكان١

ومن شاء أن يمدح فليمدح هكذا، وإلا فليسكت.

ووجدت أبا بكر محمد بن يحيى المعروف بالصولي قد عاب على حسان بن ثابت رضي الله عنه قوله:

لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسياقنا يقطرن من نجدة دما٢

وقال إنه جمع الجفنات، والأسياف جمع قلة، وهو في مقام فخر، وهذا مما يحط من المعنى ويضع منه، وقد ذهب إلى هذا غيره أيضا، وليس بشيء؛ لأن الغرض إنما هو الجمع، فسواء أكان جمع قلة أم جمع كثرة.


١ "الديوان ٤٧٤" من قصيدة مطلعها:
للمادحون اليوم أهل زماننا ... أولى من الهاجين بالحرمان
٢ كان النابغة الذبياني تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ، يجتمع إليه فيها الشعراء، فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره، وأنشدته الخنساء إحدى مراثيها، فقال النابغة: لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك، لقلت إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل ذات مثانة، فقالت: والله ومن كل ذي خصيتين. فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها قال النابغة: حيث تقول ماذا، قال حيث أقول:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال النابغة: إنك لشاعر، لولا أنك قللت عدد جفانك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، وفي رواية أخرى أنه قال له: قلت الجفنات فقللت العدد، ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت يلمعن في الضحا، ولو قلت يبرقن بالدجا لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقا، وقلت يقطرن من نجدة دما، فدللت على قلة القتلى، ولو قلت يجرين لكان أكثر، لانصباب الدم، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، فقام حسان منكسرا منقطعا.
"الأغاني ٨/ ١٨٨ والموشح للمرزباني ٦٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>