للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ١ أفترى نعم الله أكانت قليلة على إبراهيم صلوات الله عليه؟

وكذلك ورد قوله عز وجل في سورة النمل: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} ٢ فقال: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} فجمع النفس جمع قلة، وما كان قوم فرعون بالقليل حتى تجمع نفوسهم جمع قلة، بل كانوا مئين ألوفا، وهذا أيضًا مما يبطل قول الصولي وغيره في مثل هذا الموضوع.

وكذلك ورد قوله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ٣ والنفوس المتوفاة والنائمة لا ينتهي إلى كثرتها كثرة؛ لأنها نفوس كل من في العالم.

واعلم أن للمدح ألفاظا تخصه، وللذم ألفاظا تخصه، وقد تعمق قوم في ذلك حتى قالوا: من الأدب ألا تخاطب الملوك ومن يقاربهم بكاف الخطاب، وهذا غلط بارد، فإن الله الذي هو ملك الملوك قد خوطب بالكاف في أول كتابه العزيز فقيل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

وقد ورد أمثال هذا في مواضع من القرآن الكريم غير محصورة، إلا أني قد راجعت نظري في ذلك، فرأيت الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم٤، والعوائد لا حكم لها،


١ سورة النحل ١٢٠, ١٢١.
٢ سورة النمل ١٢-١٤.
٣ سورة الزمر ٤٢.
٤ كانت في الأصل "بأيامهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>