للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطيف لساءه، وكقولهم في المديح: إن عطاءه كالبحر، وكالسحاب، وإنه لا يمنع عطاء اليوم عطاء غد، وإنه يجود ابتداء من غير مسألة، وأشباه ذلك وكقولهم في المراثي: إن هذا الرزء أول حادث، وإنه استوى فيه الأباعد والأقارب، وإن الذاهب لم يكن واحدا وإنما كان قبيلة، وإن بعد هذا الذاهب لا يعد للمنية ذنب، وأشباه ذلك.

وكذلك يجري الأمر في غير ما أشرت إليه من معان ظاهرة تتوارد الخواطر عليها من غير كلفة، وتستوي في إيرادها، ومثل ذلك لا يطلق على الآخر فيه اسم السرقة من الأول، وإنما يطلق اسم السرقة في معنى مخصوص كقول أبي تمام:

لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شردوا في الندى والياس

فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس

فإن هذا المعنى مخصوص ابتدعه أبو تمام، وكان لابتداعه سبب، والحكاية فيه مشهورة، وهي أنه لما أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السينية التي مطلعها: "ما في وقوفك ساعة من باس"١ انتهى إلى قوله:

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس

فقال الحكيم الكندي: وأي فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب? فأطرق أبو تمام ثم أنشد هذين البيتين معتذرا عن تشبيهه إياه بعمرو وحاتم وإياس، وهذا معنى يشهد به الحال أنه ابتدعه، فمن أتى من بعده بهذا المعنى أو بجزء منه فإنه يكون سارقا له.


١ من قصيدته في مدح أحمد بن المعتصم "الديوان ٢/ ٢٤٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>