للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال إن الفرزدق وجريرا كانا ينطقان في بعض الأحوال عن ضمير واحد, وهذا عندي مستبعد، فإن ظاهر الأمر يدل على خلافه، والباطن لا يعلمه إلا الله تعالى, وإلا فإذا رأينا شاعرا متقدم الزمان قد قال قولا ثم سمعناه من شاعر أتى من بعده علمنا بشهادة الحال أنه أخذه منه، وهب أن الخواطر تتفق في استخراج المعاني الظاهرة المتداولة، فكيف تتفق الألسنة في صوغها الألفاظ?

ومما كنت أستحسنه من شعر أبي نواس قوله من قصيدته التي أولها:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء١ ...

دارت على فتية ذل الزمان لهم ... فما يصيبهم إلا بما شاءوا

وهذا من عالي الشعر, ثم وقفت في كتاب الأغاني لأبي الفرج على هذا البيت في أصوات معبد، وهو:

لهفي على فتية ذل الزمان لهم ... فما أصابهم إلا بما شاءوا

وما أعلم كيف هذا٢.


١ ديوان أبي نواس٦ والبيت بالديوان هكذا:
دارت على فتية الزمان لهم ... فما يصيبهم إلا بما شاءوا
٢رواية الأغاني "١/ ٢٤": قال الوليد بن يزيد يوما: لقد اشتقت إلى معبد، فوجه البريد إلى المدينة، فأتى بمعبد، وأمر الوليد ببركة قد هيئت، فملئت بالخمر والماء، وأتى بمعبد فأجلس والبركة بينهما، وبينهما ستر قد أرخي، فقال له: غنني يا معبد، فغناه هذه الأبيات:
لهفي على فتية ذل الزمان لهم ... فما أصابهم إلا بما شاءوا
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عداء
أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء
وفي الأغاني رواية أخرى ٦/ ١٢٣ تغاير هذه، ملخصها أن الحسين بن الضحاك قال في قصيدة له مطلعها:
بدلت من نفحات الورد باللاء ... ومن صبوحك دار الإبل والشاة

<<  <  ج: ص:  >  >>