للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كلام حسن واقع في موقعه فإنه وصف كلا منهم بما فيه من غير تفضيل.

ويروى عن بشار أنه وصف نفسه بجودة الشعر والتقدم على غيره، فقيل له: ولم ذاك? فقال: لأني نظمت اثني عشر ألف قصيدة وما تخلو واحدة منهن من بيت واحد جيد، فيكون لي حينئذ اثنا عشر ألف بيت.

وقد تأملت هذا القول فوجدته على بشار لا له؛ لأن باقلا الذي يضرب به المثل في العي لو نظم قصيدا لما خلا من بيت واحد جيد، ومن الذي ينظم قصيدا واحدا من الشعر ولا يسلم منه بيت واحد?

لكن كان الأولى ببشار أن قال: لي اثنا عشر ألف قصيدة ليس واحدة منهن إلا وجيدها أكثر من رديئها، وليس في واحدة منهن ما يسقط، فإنه لو قال ذلك وكان محقا لاستحق التقدم على الشعراء، ومع هذا فقد وصل إلي ما في أيدي الناس من شعره مقصدا ومقطعا فما وجدته بتلك الغاية التي ادعاها، لكن وجدت جيده قليلا بالنسبة إلى رديئه، وتندر١ له الأبيات اليسيرة.

وبلغني عن الأصمعي وأبي عبيدة وغيرهما أنهم قالوا: هو أشعر الشعراء المحدثين قاطبة، وهم عندي معذورون؛ لأنهم ما وقفوا على معاني أبي تمام، ولا على معاني أبي الطيب، ولا وقفوا على ديباجة أبي عبادة البحتري.

وهذا الموضع لا يستفتى فيه علماء العربية، وإنما يستفتى فيه كاتب بليغ، أو شاعر مفلق، فإن أهل كل علم أعلم به، وكما لا يسأل الفقيه عن مسألة حسابية فكذلك لا يسأل الحاسب عن مسألة فقهية، وكما لا يسأل النحوي عن مسألة طبية


١ تندر: هنا بمعنى تظهر وتشتهر من الندور لا من الندرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>