للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان ابن الأعرابي مع علمه وفضله لا يدري أي طرفيه أطول في هذا الفن، ولا يعلم أين يضع يده فيه, ويبلغ به الجهل إلى أن يقف مع التقليد الشنيع الذي هذا غايته, فما الذي يقول غيره? وما الذي يتكلم فيه سواه?

والمذهب عندي في تفضيل الشعراء أن الفرزدق وجريرا والأخطل أشعر العرب أولًا وآخرا، ومن وقف على الأشعار, ووقف على دواوين هؤلاء الثلاثة, علم ما أشرت إليه.

ولا ينبغي أن يوقف مع شعر امرئ القيس وزهير والنابغة والأعشى، فإن كلا من أولئك أجاد في معنى اختص به، حتى قيل في وصفهم: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب، والأعشى إذا شرب.

وأما الفرزدق وجرير والأخطل فإنهم أجادوا في كل ما أتوا به من المعاني المختلفة وأشعر منهم عندي الثلاثة المتأخرون، وهم أبو تمام، وأبو عبادة البحتري، وأبو الطيب المتنبي١، فإن هؤلاء الثلاثة لا يدانيهم مدان في طبقة الشعراء.

أما أبو تمام وأبو الطيب فربا المعاني، وأما أبو عبادة فرب الألفاظ في ديباجتها وسبكها. وبلغني أن أبا عبادة البحتري سأل ولده أبا الغوث عن الفرزدق وجرير أيهما أشعر، فقال: جرير أشعر، قال: وبم ذلك?


١ لقد قال منذ بضعة أسطر إن الفرزدق وجريرا والأخطل هم أشعر العرب أولا وآخرا. وها هو ذا يقول إن أبا تمام والبحتري والمتنبي أشعر منهم، فكيف ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>