للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لأن حوكه شبيه بحوكك١. قال ثكلتك أمك، أوفى الحكم عصبية؟ قال: يا أبت فمن أشعر؟ قال: الفرزدق. قال: وبم ذاك؟ قال: لأن أهاجي جرير كلها تدور على أربعة أشياء: هي القين، والزنا وضرب الرومي بالسيف، والنفي من المسجد، ولا يهجو الفرزدق بسوى ذلك، وأما الفرزدق فإنه يهجو جريرا بأنحاء مختلفة، ففي كل قصيد يرميه بسهام غير السهام التي يرميه بها في القصيد الآخر٢، وأنا أستكذب راوي هذه الحكاية، ولا أصدقه، فإن البحتري عندي ألب من ذلك، وهو عارف بأسرار الكلام، خبير بأوساطه وأطرافه، وجيده ورديئه، وكيف يدعي على جرير أنه لم يهج الفرزدق إلا بتلك المعاني الأربعة التي ذكرها وهو القائل:

لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل٣

فجمع بين هجاء هؤلاء الثلاثة في بيت واحد.

ولقد تأملت كتاب النقائض فوجدت جريرا رب تغزل ومديح وهجاء وافتخار، وقد كسا كل معنى من هذه المعاني ألفاظا لائقة به ويكفيه من ذلك قوله:

وعاد عوى من غير شيء رميته ... بقارعة أنفاذها تقطر الدما

وإني لقوال لكل غريبة ... ورود إذا الساري بليل ترنما

خروج بأفواه الرواة كأنها ... شبا هندواني إذا هز صمما


١ يربط أسلوبه وتعبيره.
٢ في الصناعتين ٢٤ ذكر لهذا التفضيل موجز.
٣ الديوان ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>