للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في موضع آخر:

وذي لجب لا ذو الجناح أمامه ... بناج ولا الوحش المثار بسالم

تمر عليه الشمس وهي ضعيفة ... تطالعه من بين ريش القشاعم

إذا ضوؤها لاقى من الطير فرجة ... تدور فوق البيض مثل الدراهم١

وهذا من إعجاز أبي الطيب المشهور، ولو لم يكن له من الإحسان في شعره إلا هذه الأبيات لاستحق بها فضيلة التقدم.

ومما ينتظم بهذا النوع ما توارد عليه أبو عبادة البحتري وأبو الطيب المتنبي في وصف الأسد، وقصيدتاهما مشهورتان، فأول إحداهما:

أجدك ما ينفك يسري لزينبا

وأول الأخرى:

في الخد إن عزم الخليط رحيلا

أما البحتري فإنه ألم بطرف مما ذكر بشر بن عوانة في أبياته الرائية التي أولها:

أفاطم لو شهدت ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا٢

وهذه الأبيات من النمط العالي الذي لم يأت أحد بمثله، وكل الشعراء لم تسم قرائحهم إلى استخراج معنى ليس بمذكور فيها، ولولا خوف الإطالة لأوردتها بجملتها، لكن الغرض إنما هو المفاضلة بين البحتري وأبي الطيب


١ من قصيدته في مدح الأمير أبي محمد الحسن بن عبيد الله بن طفج "الديوان ٤/ ٣٠٤" ذو لجب: ذو جبلة، يصف الجيش. القشاعم: النسور. البيض: جمع بيضة وهي الخوذة.
٢ من مقامات بديع الزمان الهمذاني: وأغلب الظن أن بشرا هذا شخص اخترعه البديع وأجرى على لسانه الأبيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>