للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد عرف السيوطي تبعًا لأبي البركات الأنباري هذا القياس بأنه حملُ الفرع على الأصل بالعلة التي عُلِّق عليها الحكم في الأصل، ومثَّل له بحمل ما لم يُسمَّ فاعله، وهو النائب عن الفاعل في الرفع بعلة الإسناد، وبحمل المضارع يعني: عند خلوه من نوني التوكيد والنسوة على الاسم في الإعراب بعلة اعتوار أي: توارد المعاني عليه. وذكر الأنباري في الفصل الرابع عشر من (لمع الأدلة) أنه يُستدل على صحة العلة بشيئين: التأثير وشهادة الأصول، فأما التأثير فهو وجود الحكم لوجود العلة، وزواله لزوالها، وذلك مثل: أن يُدل على بناء الغايات كقبل وبعد على الضم باقتطاعها عن الإضافة، فإذا طولب المستدل بالدليل على صحة العلة قال: الدليل على صحتها التأثير، وهو وجود الحكم لوجودها، وهو البناء، وعدمه لعدمها. ألا ترى أنها قبل اقتطاعها -يعني: عن الإضافة- كانت معربة، فلما اقتطعت عن الإضافة صارت مبنية.

وأما شهادة الأصول بصحة العلة فمثل: أن يدل على بناء كيف، وأين، وأيان، ومتى؛ لتضمنها معنى الحرف، فإذا طولب المستدل بصحة هذه العلة قال: الدليل على صحة هذه العلة أن الأصول تشهد وتدل على أن كل اسم تضمن معنى الحرف؛ وجب أن يكون مبنيًّا، فإن قيل: ومن أين زعمتم أن الأصول تشهد أن كل اسم تضمن معنى الحرف وجب أن يُبنى؟ وقد أعربوا أيًّا مع تضمن معنى حرف الاستفهام كما تضمنت كيف وأخواتها؟ قيل: إنما بقوا أيًّا وحدها على إعرابها مع تضمن معنى الحرف؛ تنبيهًا على أن الأصل في الأسماء الإعراب، كما أنهم بقَّوا الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد مع مشابهة الاسم الموجبة للإعراب على البناء، تنبيهًا على أن الأصل في الأفعال البناء، على أنهم قد قالوا: إنما أعربوها أي: أعربوا أيًّا حملًا على نظيرها ونقيضها، فنظيرها جزء، ونقيضها كل، وبنوا الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد؛

<<  <   >  >>