الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
إن لغة العرب هي إحدى اللغات السامية، وقد انقسمت هذه اللغة إلى لهجات عديدة في أنحاء شبه الجزيرة العربية، وأدَّى إلى هذا الانقسام أن أصحاب اللغة الواحدة كانوا يعيشون في بيئة جغرافية واسعة، تختلف الطبيعة فيها من مكان إلى مكان، وأدَّى هذا الاختلاف إلى وجود لهجات تنتمي إلى اللغة نفسها. وقد عُرفت هذه اللهجات عند القدماء باسم اللغات، وقد عقد ابن جني بابًا في (الخصائص) عنوانه: اختلاف لغات العرب وكلها حجة، والمراد باللغات اللهجات، وكذلك قول السيوطي:"لغة قريش"، يريد به لهجتها التي تنتمي إلى اللغة العربية. فاللهجة أخص من اللغة، واللغة أعم منها؛ لأن العلاقة بين اللغة واللهجة هي العلاقة بين العام والخاص، إذ إن اللهجة طريقة معينة في الاستعمال اللغوي، توجد في بيئة خاصة من بيئات اللغة الواحدة. وقد اتفق القدماء على أن لهجة قريش هي أفصح اللهجات العربية وأعلاها، وأنها اللغة التي سادت شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام.
يقول ابن فارس -رحمه الله: "أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم، وأيامهم، ومحالهم أن قريشًا أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وذلك أن الله -جل ثناؤه- اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبي الرحمة محمدًا -صلى الله عليه وسلم، فجعل قريشًا قُطَّان حرمه، وجيران بيته الحرام، وولاته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم، يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم وتحكم بينهم، ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم، وتسميها أهل الله؛ لأنهم