للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الخامس عشر

(بعض مباحث التعارض والترجيح)

المراد بالتعارض والترجيح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه؛ أما بعد:

إن التعارض والترجيح مصطلحان من مصطلحات أصول الفقه، ولم يذكر السيوطي في كتابه (الاقتراح) التعريف بهما. والتعارض في اللغة: مصدر الفعل تعارض، إذ يقال: تعارض الشيئان: إذا عارض كل منهما الآخرَ وقابله، وفي نسخة أخرى: التعادل، بدل التعارض، أي: التوازن في الأدلة. ويعرفه علماء أصول الفقه: بأنه تقابل الدليلين المتساويين على سبيل التمانع، بمعنى: أن يقتضي كل دليل منهما حكمًا يخالف ما يقتضيه الدليل الآخر، والترجيح في اللغة: هو مصدر الفعل رجَّحَ، ويعرفه الأصوليون: بأنه إظهار زيادة أحد المتماثلين على الآخر، بمعنى: أن يكون في أحد الدليلين المتماثلين زيادة ترجح ما يقتضيه هذا الدليل على ما يقتضيه الدليل الآخر. والمراد به عند النحاة: وقوع الرجحان بين الأدلة المتعارضة، وحديث علماء أصول النحو عن التعارض والترجيح أثرٌ من آثار أصول الفقه؛ لأن الأصوليين من الفقهاء قد عُنوا بالترجيح بين الأدلة التي يظن بينها التعارض، كما عني الأصوليون من النحاة بالترجيح بين الأدلة المتعارضة في النحو.

غير أن هناك فرقًا بين التعارض في أدلة الشرع والتعارض في أدلة النحو، إذ ليس هناك تعارض حقيقي بين الأدلة الشرعية؛ لأن التعارض بين الأدلة الشرعية -كما يقول أحد المعاصرين- جمع بين متناقضين، وهو محال على الشارع الحكيم المحيط علمه بكل شيء؛ لأنه أَمارة العجز -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- وإنما المراد التعارض الظاهري في نظر المجتهد المستنبط للأحكام من أدلتها قبل معرفة

<<  <   >  >>