للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناسخ والمنسوخ من الدليل، أو قبل أن يظهر له رجحان أحدهما على الآخر، أو إمكان الجمع بينهما، فهو يحكم في بادئ الأمر بالتعارض قبل البحث، وبعد بحثه وتأمله يزول هذا التعارض.

أما أدلة النحو فيجوز أن يوجد بينها تعارض حقيقي، فنجد أن أحد الأدلة يثبت حكمًا وينفيه الآخر، وحينئذٍ يكون الترجيح بين الأدلة المتعارضة، وإذا عرفنا أن مبحث التعارض والترجيح منقول من أصول الفقه إلى أصول النحو مع الفارق الذي بيناه؛ فإننا نشير إلى أن ابن جني قد أفرد في كتابه (الخصائص) بابًا عنوانه: باب في تعارض السماع والقياس، كما أشار في الجزء الثاني إلى تحكيم القياس في الترجيح بين السماعين إذا تعارضَا.

وعقَدَ الأنباري في كتابه (الإغراب في جدل الإعراب) فصلًا عنوانه: في ترجيح الأدلة، كما عقد في كتابه (لمع الأدلة) ثلاثة فصول أولها في المعارضة، وثانيها في معارضة النقل بالنقل، وثالثها في معارضة القياس بالقياس. ثم جاء السيوطي فجمع ما ذكره ابن جني وما ذكره الأنباري، وزاد عليهما فصولًا، فجعل التعارض والترجيح في ست عشرة مسألةً.

وبتأمل هذه المسائل التي ذكرها السيوطي في (الاقتراح) نلحظ أن بعض هذه المسائل يندرج تحت تعارض الأدلة النحوية، وذلك مثل التعارض بين سماعين، وأيضًا مثل التعارض بين قياسين، والتعارض بين السماع والقياس، فهذه المسائل تتناول التعارضَ بين أدلة النحو وأصوله، إذ إن السماع والقياس من أدلة النحو الغالبة، كما أن بعض هذه المسائل ليس من تعارض الأدلة النحوية كالتعارض بين ارتكاب ضعيف وارتكاب لغة شاذة، وتعارض القولين لعالم واحد، وما رجحت به لغة قريش على غيرها من لغات العرب، والترجيح بين البصريين والكوفيين وغيرها. فهذه المسائل ليست من تعارض الأدلة.

<<  <   >  >>