ولو كانت علة حقيقية لأوجبت الإمالة لدوران الحكم مع علته وجودًا وعدمًا بمعنى: أنها إذا وُجدت وجد الحكم، وإذا انعدمت انعدم الحكم، ومن ذلك علة قلب واو "وُقتت" همزة كقوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}(المرسلات: ١١) أُبدلت الواو همزة؛ لكونها واوًا مضمومة ضمًّا لازمًا، فكأنه اجتمع فيها واوان، ومع ذلك يجوز إبقاؤها، وقد قرأ أبو عمرو وهو أحد القراء السبعة "وقتت" من غير إبدال، فعِلتها إذن مجوزة لا موجبة. وكذا كل موضع جاز فيه إعرابان فأكثر، كالذي يجوز جعله بدلًا وحالًا، وذلك أن تقع النكرة بعد المعرفة التي يتم الكلام بها، وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى، فيجوز أن تعدها بدلًا، ويجوز لك أن تعدها حالًا نحو: مررت بزيد رجل صالح، على البدل، ومررت بزيد رجلًا صالحًا على الحال. قال السيوطي:"فظهر بهذا الفرق بين العلة والسبب".
انقسام العلة إلى بسيطة وإلى مركبة
البسيطة: هي التي يقع التعليل بها من وجه واحد كالتعليل بالاستثقال في تقدير الضمة في حالة الرفع، والكسرة في حالة الجر في الاسم المنقوص، والجوار كتعليل جر خرب، الواقع نعتًا لمرفوع في قولهم: هذا جحر ضب خرب، بمجاورته لمجرور، والمشابهة كتعليل إعراب الفعل المضارع بمشابهته للاسم، ونحو ذلك. والمركبة: هي ما تركبت من عدة أوصاف اثنين فصاعدًا، كتعليل قلب واو ميزان وميعاد؛ بوقوع كل منهما ساكنة إثر كسرة، إذ الأصل فيهما مِوْزَان وموعاد، لأنهما من الوزن والوعد فالعلة في القلب فيهما ليس مجرد سكون الواو فقط، ولا وقوعها بعد كسرة فقط، بل العلة مجموع الأمرين معًا، وذلك كثير جدًّا.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.