للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على تغييره. ومنها: ما ثبت في الزمن الماضي، فالأصل بقاؤُه في الزمن المستقبل. وهذه التعريفاتُ مختلفةٌ في ألفاظها، لكنّ معانيَها متقاربةٌ؛ بل هي ترجِعُ إلى معنًى واحدٍ، وهو: إبقاءُ ما كان على ما كان حتى يقوم الدليلُ على تغيُّر حالِه. فالاستصحاب -في ضَوْء المعنيين اللغوي والاصطلاحي- عند الأصوليين هو: مصاحبة حكم كان ثابتًا في الماضي باقيًا في الحاضر، حتى يأتي دليلٌ على تغييره، مع بذل الجهد في البحث والطلب.

وقد نَقَل هذا المصطلحََ أبو البركات -عبدُ الرحمن كمالُ الدين الأنباريُّ في القرن السادس الهجري- من أصول الفقه إلى أصول النحو. ويُعرِّف الأنباريُّ استصحاب الحال في كتابه (الإغراب في جدل الإعراب) بقوله: "وأمّا استصحابُ الحالِ فإبقاءُ اللفظِ على ما يستحقّه في الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل، كقولك في فعل الأمر: إنما كان مبنيًّا؛ لأنّ الأصلَ في الأفعال البناءُ، وإنّ ما يُعرب منها لشبَه الاسم، ولا دليلَ على وجود الشبَه، فكان باقيًا على الأصل في البناء". انتهى. وعليه، فلا يختلف تعريف الاستصحاب عند الأصوليين عن تعريفه عند النحويين؛ فالمعنى واحدٌ، وهو إبقاءُ الحكمِ على ما كان عليه، فلا يلحقه تغييرٌ إلا إذا قام الدليلُ على هذا التغييرِ.

من مسائل الاستصحاب في النحو العربي

عرفنا أنه لم يَستعمل أحدٌ من النحاة -قبل الأنباري- مصطلحَ استصحاب الحال، ولا يعني هذا عدمَ استدلالهم به؛ فقد قيل: إنَّ سيبويه استدلّ بهذا الدليل في مواضعَ كثيرة من كتابه وإن لم يصرح به، ولم يسمه استصحابَ الحال، أو استصحابَ الأصل، ومن هذه المواضع ما جاء في (الكتاب) من قوله: "واعلم أنّ بعض الكلام أثقلُ من بعض؛ فالأفعالُ أثقلُ من الأسماءِ؛ لأنَّ

<<  <   >  >>