للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن فارس في كتابه (الصاحبِي): "إنّ العِلْم بلغة العرب واجبٌ على كل متعلِّقٍ من العِلْم بالقرآنِ والسنةِ والفُتيا بسبب، حتى لا غَناءَ بأحد منهم عنه. وذلك أنّ القرآن نازِلٌ بلغة العربِ، ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عربيٌّ. فمَن أراد معرفة ما في كتاب الله -جلّ وعزّ- وما في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كل كلمة غريبةٍ أو نظْم عجيبٍ لم يجد من العلْم باللغة بُدًّا". انتهى كلام ابن فارس في كتابه (الصاحبي).

إذن، فعلاقة علم النحو بعلم الفقه واضحة جلية، وجاء أبو البركات الأنباري فوطَّدَ تلك العلاقةَ، وأكّد ارتباطَ علم أصول النحو بعلم أصول الفقه، وكثمرةٍ من ثمراتِ هذا الارتباطِ وجدناه يُظهر مصطلحَ استصحاب الحال في أدلة النحو، بل ويَعُدّه أحدَ الأدلةِ الغالبة، فقال في (لمع الأدلة) في الفصل الذي عقده للحديث عن أدلة النحو: "أقسام أدلته ثلاثة: نقلٌ، وقياسٌ، واستصحابُ حالٍ". كما اهتم بتعريف الاستصحاب والتمثيل له في كتابه (الإغراب في جدل الإعراب)، وإن كان هذا الدليل بهذا المصطلح -كمصطلح- لم يظهر قبل أبي البركات فيما نعلم، فإنه كدليل وجدناه في مواضعَ من كتاب سيبويه -كما قدمنا- وفي مؤلفات مَن جاء بعده من البصريين والكوفيين. فالاستصحاب مصطلحٌ فقهيٌّ في الأصل، أمّا معناه لغةً: فهو الاستفعالُ من الصحبة، وهي الملازمة واستمرار الصحبة واستدامتها. يقال: استصحبَ الشيءَ: لازمَهُ. ويقال: استصحبَ الرجلَ: دعاه إلى الصُّحبة. واستصحبَه الشيءَ: سألَه أن يجعلَه في صُحبتِه. وكلُّ ما لازمَ شيئًا فقد استصحبَه. قال الشاعر:

إنَّ لك الفضلَ على صُحبتِي ... والمِسْكُ قد يَسْتصْحِبُ الرَّامِكا

والرَّامِكُ: نوعٌ من الطِّيب رديءٌ خسيس. وله عند الأصوليين تعريفاتٌ مختلفةٌ؛ منها: بقاءُ الأمر ما لم يوجد ما يُغيِّرُه. ومنها: استدامةُ ما كان ثابتًا، ونفيُ ما كان منفيا. ومنها: الحكمُ على الشيء بما كان ثابتًا له أو منفيًّا عنه؛ لعدم قيام الدليل

<<  <   >  >>