الاتفاق على أن البصريين أصح قياسًا وأن الكوفيين أوسع رواية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
لقد أجمعت كتب التاريخ والتراجم والطبقات على أن البصرة قد استأثرت بعلم النحو حينًا من الدهر، وأنها صاحبة الفضل في وضع أصول هذا العلم الجليل وأسسه، ومبادئه، وأنها هي التي تعهَّدت هذا العلم في نشأته الأولى؛ فالبصرة -كما قال صاحب (المدارس النحوية) رحمه الله- هي واضعة النحو أي: متمثلة في أبي الأسود الدؤلي المتوفى سنة تسع وستين من الهجرة، وموطنه البصرة؛ إذ هو على الراجح الواضع الأول للنحو، وكان النحويون على اختلاف بلدانهم عالة على نحاة البصرة؛ إذ استمدوا علمهم منها ومن علم الخليل المتمثل في كتاب سيبويه خاصة.
وقد ظلت الكوفة نحو قرن من الزمن منصرفة عن علم النحو بما شغلها من رواية الأشعار، والأخبار، والنوادر، ثم اتجه علماؤها إلى دراسة علم النحو، فتلمذوا للبصريين وأخذوا عنهم، ثم خالفوهم في أمور متعددة منها: أن البصريين لا يلتفتون إلى كل مسموع، ولا يقيسون على الشاذ من كلام العرب شعرًا ونثرًا، بل كانوا يقيسون على الكثير المطرد. أما أهل الكوفة فقد كانوا يقيسون على البيت النادر والقول الشاذ، والشاهد الفرد الذي لا نظير له.
يقول السيوطي:"اتفقوا على أن البصريين أصح قياسًا، لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع، ولا يقيسون على الشاذ، والكوفيون أوسع رواية"، ومعنى ما ذكره السيوطي أن للكوفيين عناية فائقة بالمروي من الأشعار والأخبار والنوادر تفوق عناية البصريين، وأن هذه العناية قد دفعت الكوفيين إلى قبول جميع ما سمعوا، وجعله أصلًا يُقاس عليه، وقد وُصف الكسائي -وهو من أئمة الكوفة- بأنه كان