[الدرس: ١ نشأة العلة النحوية وذكر بعض الأمثلة لها.]
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(نشأة العلة النحوية وذكر بعض الأمثلة لها)
مفهوم العلة النحوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يدور معنى التعليل في اللغة العربية حول فعل الشيء مرة بعد أخرى، كما جاء في مادة عَلَل في (الصحاح) و (لسان العرب) وغيرهما من المعاجم اللغوية، فالعلل هو الشرب الثاني بعد النهل، وهو الشرب الأول، يقال: عَلَل بعد نَهَل، وعله أي: سقاه السقية الثانية، والعلة المرض وحدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأن تلك العلة صارت شغلًا ثانيًا منعه عن شغله الأول.
والعلة في اصطلاح النحويين: هي الوصف الذي يكون مظنة وجه الحكمة في اتخاذ الحكم، أو بعبارة أوضح: هي الأمر الذي يزعم النحويون أن العرب لاحظته حين اختارت في كلامها وجهًا معينًا من التعبير والصياغة. والعلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي واضحة جلية، فالعلة النحوية تشغل النحوي في محاولته الوصول إليها عن كل ما عداها، وتتطلب منه كدَّ الفكر وإعمال النظر مرة بعد أخرى؛ حتى يطمئن إلى سلامتها وصحة الوثوق بها.
ورحم الله شيخ العربية الخليل الذي سُئل عن العلل التي يعتلُّ بها في النحو فقيل له -فيما يرويه الزجاجي في كتابه (الإيضاح في علل النحو) فقيل له-: "عن العرب أخذتها، أم اخترعتها من نفسك؟ فقال: إن العرب نطقت على سجيتها وطبيعتها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، وإن لم يُنقل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمسته، وإن تكن هناك علة له؛ فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارًا محكمة البناء، عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق، أو بالبراهين الواضحة، والحجج اللائحة.