الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إنما جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين، لأن المعاني لا تتزاحم، والعلل موضحة ومبينة وليست مؤثرة لأنها بعد الوقوع، وقد استمدَّ السيوطي مادة هذه المسألة، وهي جواز تعليل الحكم بعلتين من كتابي (الخصائص) و (لمع الأدلة)، ومجمل ما أورده ابن جني في (الخصائص) في باب عنوانه: باب في حكم المعلول بعلتين، أن هذا الباب على ضربين؛ أحدهما: ما لا نظر فيه، والآخر محتاج إلى النظر، ومن أمثلة الضرب الأول نحو قولهم: هذه عشريَّ، وهؤلاء مسلمي، فإن الأصل عشروي ومُسْلِمُويَ، فقُلبت الواو ياء لأمرين كل واحد منهما على حدته موجب للقلب من غير احتياج إلى الآخر؛ للاستعانة به على قلبه. أحدهما: اجتماع الواو والياء وسبق الأولى منهما بالسكون، والآخر أن ياء المتكلم أبدًا تكسر الحرف الذي قبلها إذا كان صحيحًا لمناسبتها نحو: هذا غلامي، ورأيت صاحبي، وقد ثبت فيما قبل أن نظير الكسر في الصحيح الياء في هذه الأسماء؛ فوجب قلب الواو ياء، وإدغامها في الياء؛ ليمكن كسر ما قبل ياء المتكلم، فهذه علة غير الأولى في وجوب قلب الواو ياء.
ومن المعلول بعلتين أيضًا قولهم: سي في لاسيما، وري، والسي هو المثل والنظير تقول مثلًا: أتقن علوم العربية ولاسيما النحو، والمعنى: وبخاصة النحو، وسي أصله سِوْيٌ، وري أصله رويٌ؛ فانقلبت الواو ياء -إن شئت- لأنها ساكنة غير مدغمة وبعد كسرة، وإن شئت لأنها ساكنة قبل الياء، فهاتان علتان، إحداهما: كقلب ميزان أو كعلة قلب ميزان، وأصله موزان.