للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثالث

(العلة في القرن الرابع الهجري وأبرز النحاة الذين كان لهم الفضل في ذلك)

ظهور تطور العلة النحوية في القرن الرابع الهجري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

تجلى تأثير العلوم التي أشرنا إليها في الدرس السابق، وفي مقدمتها علم المنطق في إحداث مزيد من العناية والاهتمام بأمر العلة النحوية في القرن الرابع الهجري، فأصبحت صناعة العربية كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية أو الجدل، وبعدت عن مناحي اللسان وملكته، كما قال ابن خلدون، وظهرت في مصنفات النحويين العناية الشديدة بالحدود النحوية وغرائب القياس، ودقائق العلل، واستحداث وسائل جديدة للنظر والتعليل، وذلك باستعمال المقدمات الصورية؛ لترسيخ التعليل في النحو العربي.

ويرى بعض الباحثين -كالدكتور مازن المبارك في كتابه (الرُّماني النحوي) - أن إغراق الرماني في المنطق جعل النحاة يعرضون عن نحوه، ويصدون عنه. والدكتور عبد الكريم الأسعد في كتابه الذي عنونه بقوله (بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة) رأى أن المنطق قد أساء للنحو العربي، وحوله إلى فلسفة لغوية غامضة بعيدة عن حقيقة النحو، وجعله أكثر تعقيدًا، وأشد بعدًا عن الفطرة والبساطة حتى قال أعرابي:

ما زال أخذهم في النحو يعجبني ... حتى سمعت كلام الزنج والروم

بمفعل فعل لا طاب من كلم ... كأنه زجل الغربان والبوم

وقال غيره: نحو العرب فطرة، ونحونا فطنة، فلو كان إلى الكمال من سبيل؛ لكانت فطرتهم لنا مع فطنتنا، أو كانت فطنتنا لهم مع فطرتهم. لقد استقر النحو في القرون الأولى على أيدي النحاة القدامى على قاعدة السماع الصافي في زمن

<<  <   >  >>