إن التعارض بين نقلين هو المسألة الأولى من مسائل التعارض والترجيح في (الاقتراح) وقد استقى السيوطي مادة هذه المسألة من (لمع الأدلة) الفصل السابع والعشرين، والمراد به أن يدل دليل من السماع على حكم ويدل دليل آخر على خلافه. قال الأنباري:"اعلم، أنه إذا تعارض نقلان أُخِذَ بأرجحهما، والترجيح يكون في شيئين؛ أحدهما: الإسناد، والآخر: المتن. فأما الترجيح في الإسناد: فأن يكون رواة أحدهما أكثر من الآخر، أو أعلم، أو أحفظ"، وذكر مثالًا لذلك. ثم قال:"وأما الترجيح في المتن فأن يكون أحد النقلين على وفق القياس، والآخر على خلاف القياس"، وذكر مثالًا لذلك أيضًا.
ومعنى ما ذكره الأنباري ونقله السيوطي عنه: أنه قد يرد في كلام العرب دليل نقلي يدل على حكم من الأحكام النحوية، ثم يرد دليل آخر يقتضي خلافَ ما دل عليه الدليل الأول، وإذا وقع مثل ذلك أُخِذَ بأرجحهما؛ لأن الأرجحية من مرجحات الأدلة ومقوية لبعض النقول على بعض. وهناك سبيلان للترجيح بين هذين الدليلين المتعارضين؛ أحدهما: أن يكون الترجيح بالإسناد، والآخر: أن يكون الترجيح بالمتن، ومعنى الترجيح بالإسناد: أن يكون رواة أحد الدليلين أكثرَ أو أعلمَ أو أحفظَ من رواة الدليل الآخر، فيكون الدليل الذي كثر رواتُه أو سَلِموا من الطعن أولى بالقبول من الدليل الذي قَلَّ رواتُه أو لم يسلموا من الطعن فيهم. ومثال الدليلين المتعارضين اللذين رجَّحَ الإسناد أحدهما وضعف الآخر، قول الشاعر عَدي بن زيد العِبادي:
اسمع حديثًا كما يومًا تحدثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سأل