فهذه ثماني علل عُلِّلَ بها حكم واحد مما يدل على جواز تعدد العلل لحكم واحد في العربية، قال الأنباري في (لمع الأدلة) بعد إيراده هذه العلل وغيرها: "وتمسكوا -أي: مجيزو التعدد- في الدلالة على جواز ذلك بأن هذه العلة ليست موجبة، وإنما هي أمارة ودلالة على الحكم، وكما يجوز أن يستدل على الحكم بأنواع من الأمارات والدلالات، فكذلك يجوز أن يستدل عليه بأنواع من العلل، وعقَّب الأنباري بقوله: وهذا ليس بصحيح. وقولهم: إن هذه العلة ليست موجبة، وإنما هي أمارة ودلالة قلنا: ما المعنيِّ أي: ما المقصود بقولكم: إنها ليست موجبة؟ إن عنيتم -أي: إن قصدتم- أنها ليست موجبة كالعلل العقلية كالتحرك لا يُعلل إلا بالحركة، أو العالِمية لا تُعلل إلا بالعلم، فمسلَّم، وإن عنيتم أنها غير مؤثرة بعد الوضع على الإطلاق فلا نسلم، فإنها بعد الوضع أصبحت بمنزلة العلل العقلية، فينبغي أن تجري مجراها" انتهى. ويُفهم من هذه العبارة أن الحكم من الأنباري بعدم الصحة ينصب على تفسير كون العلة النحوية ليست موجبة بأنها غير مؤثرة، لا على جواز تعدُّد العلل.
جواز تعليل حكمين بعلة واحدة
افتتح السيوطي هذه المسألة بعد العنوان بقوله:"قال في (الخصائص): سواء لم يتضادا أم تضادا كقولهم: مررت بزيد ... إلى آخره"، وكعادة السيوطي نراه يتصرف في النقل، فيورد النص بالمعنى، ويتجه غالبًا إلى الإيجاز والاختصار، وعبارة ابن جني منقولة بمعناها من باب عنوانه: باب في تقاود السماع، وتقارع الانتزاع أي: في اتفاق السماع واطراده في شيء، وتخالف الاستنباط وتغايره فيه.
قال ابن جني في هذا الباب: "واعلم أن اللفظ قد يرد شيء منه، فيجوز جوازًا صحيحًا أن يُستدل به على أمر ما، وأن يُستدل به على ضده البتة، وذلك نحو: