الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه؛ أما بعد:
إن الاستحسان في اللغة: عَدُّ الشيء حسنًا، وأصله مصطلح من مصطلحات الفقه وأصوله، وهو أحد الأدلة المختلف فيها عند الفقهاء، ومن تعاريفه: أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته فلا يقدر على إظهاره، وقيل: إن الاستحسان عبارة عن دليل يقابل القياس الجلي الذي تسبق إليه الأفهام، وهذا المعنى ينقاد مع ما أراده ابن جني الذي أفرد له بابًا في (الخصائص) عنوانه: باب في الاستحسان. وكما اختلف الفقهاء في الأخذ به اختلف النحويون أيضًا في الأخذ به على قولين؛ الأول: عدم الأخذ بالاستحسان؛ لأن في الأخذ به تركًا للقياس ومخالفة له. والثاني: جواز الأخذ به، وقد حكى القولين أبو البركات الأنباري، فقال في (لمع الأدلة): "اعلم أن العلماء اختلفوا في الأخذ به، فذهب بعضهم إلى أنه غير مأخوذ به؛ لِمَا فيه من التحكم وترك القياس، وذهب بعضهم إلى أنه مأخوذ به، واختلفوا فيه، فمنهم من قال: هو ترك قياس الأصول لدليل، ومنهم من قال: هو تخصيص العلة"، انتهى.
ومعنى ما ذكره الأنباري: أن القائلين بجواز الأخذ بالاستحسان قد اختلفوا في حقيقته، فذهب بعضهم إلى أن المراد به هو أن يُترك الأصل إلى غيره لدليل، وقد ذكر الأنباري أن من أمثلة ترك قياس الأصول مذهب مَن ذهب إلى أن رافع الفعل المضارع عند تجرده من الناصب والجازم، هو حرف المضارعة الزائد في أوله، يعني: أن القائل بذلك قد ترك قياسَ الأصول؛ لأن حرف المضارعة صار جزءًا من الفعل، والأصولُ تدل على أن يكون العامل غيرَ المعمول، وألا يكون جزءًا