للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع عشر

(من صور التعارض والترجيح)

ما كثر استعماله مقدم على ما قوي قياسه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قد يكون الشيء كثيرًا في استعمال العرب الفصحاء الموثوق بعربيتهم، وهو مع كثرته في الاستعمال أضعف في القياس من غيره، وإذا تعارضت قوة القياس بقوة علته مع كثرة الاستعمال، وضعف علته بالنسبة لعلة القياس؛ كان استعمال ما كثر استعماله أولى مما قوي قياسه. وقد ساق السيوطي في هذا الأمر مثالًا نقله عن ابن جني، وهو تقديم اللغة الحجازية في إعمال ما النافية عمل ليس على اللغة التميمية في إهمالها، ولغة بني تميم أقوى قياسًا؛ لأن ما فقدت شرط العمل، وهو الاختصاص، ولذلك قال سيبويه عن إهمال ما في لغة بني تميم: "وهو القياس"، فهي حرف غير مختص؛ فكان القياس ألا تعمل، إلا أن قوة القياس هنا معارضة بكثرة المسموع؛ إذ كثُر في الكلام الفصيح إعمال ما عمل ليس، وعُدَّت هذه اللغة هي اللغة العليا؛ لأن القرآن الكريم نزل بها.

ومنه قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (يوسف: ٣١)، وقوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (المجادلة: ٢)، ولما تعارضت قوة القياس مع كثرة الاستعمال؛ كانت كثرة الاستعمال هي المقدمة. وكان على المتكلم أن يستعمل في كلامه ما كثر استعماله في كلام الفصحاء، ولذلك قال ابن جني في الاستعمال مع ضعف علته بالنسبة لقوة القياس: "اللغة التميمية في ما هي أقوى قياسًا وإن كانت الحجازية أسير استعمالًا، وإنما كانت التميمية أقوى قياسًا من حيث كانت عندهم كهَلْ في دخولها على الكلام مباشرة كل واحد من صدري الجملتين، الفعل، والمبتدأ،

<<  <   >  >>