للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سابق، وهو صالح للعمل، فكان إعماله أولى لقوة الابتداء به والعناية، أي: أن العامل الأول سابق العامل الثاني وهو صالح للعمل كالعامل الثاني، إلا أنه لما كان مبدوءًا به كان إعماله أولى؛ لقوة الابتداء والعناية به، ولهذا لا يجوز إلغاء "ظن" أو "كان" إذا وقعت أي منهما مبتدأةً، بخلاف ما إذا توسطت أو تأخرت. فيقول البصري: هذا معارض بأن الثاني أقرب إلى الاسم أي: من أن العامل الأول أبعد والثاني أقرب إلى الاسم، وليس في إعماله -أي: في إعمال الثاني- نقض معنى، فكان إعماله أولى، أي: من إعمال الأول. يعني: أن دليلك أيها الكوفي على اختيار الأول معارض بدليل من قبل البصريين على اختيارهم إعمال الثاني لا الأول، وهو أن الثاني يتميز بقرب الجوار، وأنه لا ينقض -أي: لا يغير- معنى، ومعنى هذا أن الثاني من العاملين أقرب إلى المعمول، وليس في إعماله حدوث خلل في المعنى، إذ لا فرقَ في المعنى بين إعمال الأول أو الثاني.

وتكتسب مع إعمال الثاني رعاية جانب القرب، وحرمة المجاورة، فقرب الثاني من المعمول يقتضي ألا يلغَى عنه، يدل عليه أن المجاورة توجب كثيرًا من أحكام الثاني للأول، والأول للثاني، ألا ترى إلى قولهم: الشمس طلعت وأنه لا يجوز فيه حذف التاء لما جاور الضمير الفعل، ولذلك يقولون: إن الفعل هنا وجب التأنيث؛ لماذا؟ لأن الفاعل ضمير يعود على مؤنث على الرغم من أن المؤنث هنا مجازي التأنيث، إلا أن تأنيث الفعل بالتاء واجب لمجاورة الضمير المستتر للفعل، وكذلك: قامت هند، لا يجوز حذف التاء لمجاورة المؤنث الظاهر للفعل، فلو فَصلتَ بينهما بفاصل ما جاز لك في هذه الحالة أن تحذف التاء، أي: جاز لك تذكير الفعل وتأنيثه، وما كان ذلك إلا رعايةً للمجاورة.

<<  <   >  >>