للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل، فإذا قام الدليلُ بطل التمسكُ بالأصل، ويستوي أن يكون هذا الدليلُ سماعيًّا أو قياسيًّا؛ لأنه إذا تعارض استصحابُ الحال مع دليل آخرَ من سماع أو قياس فلا عبرةَ بالاستصحاب، ولا اعتداد به، ولا التفات إليه؛ لقوة الدليل الآخر الذي يقابله ويعارضه، فيُقَدَّمُ السماعُ أو القياسُ عليه.

وقد بيَّن الأنباريّ ضَعفَ الاستدلال بالاستصحاب في المسألة الرابعة عشرة من مسائل (الإنصاف)، وهي مسألة نعم وبئس؛ إذ ذهب البصريون إلى أنهما فعلان، واستدل بعضهم على فعليتهما باتصال الضمير بهما على حدّ اتصاله بالفعل المتصرف، فإنه قد جاء عن العرب قولُهم: نعما رجلين، ونعموا رجالًا، كما استدل بعضهم على فعليتهما باتصال تاء التأنيث الساكنة بهما، كقولهم: نعمت المرأة هند، وبئست الجارية دعد، فهذه التاء يَختصّ بها الفعل الماضي لا تتعدّاه. ومن البصريين من استدل على فعليتهما فقال: الدليل على أنهما فعلان ماضيان أنهما مبنيان على الفتح، ولو كانا اسمين لمَا كان لبنائهما وجهٌ؛ إذ لا علةَ ها هنا توجب بناءَهما غير الأصل، أو غير استصحاب الأصل.

ولم يرتضِ الأنباريُّ الاستدلالَ بهذا الدليل الأخير؛ لأنه استدلالٌ بالاستصحاب، فقال: "وهذا تمسكٌ باستصحاب الحال، وهو من أضعف الأدلة، والمعتمَدُ عليه ما قدَّمْناه". انتهى. أي: أنّ المعتمد عليه في إثبات فعليتهما هو اتصال الضمير المرفوع بهما كما يتصل بكل فعل متصرف، واتصالهما بتاء التأنيث الساكنة. وخلاصة القول: أنّ استصحاب الحال أحد الأدلة المعتبرة، وهو في الوقت نفسه من أضعف الأدلة، فلا يجوز التمسك به ما وجد هناك دليلٌ.

<<  <   >  >>