للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للمبتدأ، فمعناه أن المبتدأ أيضًا مخالفٌ للخبر، وإذا كان الخلاف يوجب نصب الظرف كما زعم الكوفيون، فالواجب أيضًا نصبُ المبتدأ، ولو وافقناهم على زعمهم، فنقول: زيدًا أمامَك، بالنصب، ولا قائلَ به، فبطل ما استدلّ به الكوفيون.

يقول الأنباري في (الإنصاف): "لو كان الموجبُ لنصب الظرف كونَه مخالفًا للمبتدأ لكان المبتدأ أيضًا يجب أن يكون منصوبًا؛ لأن المبتدأ مخالف للظرف كما أن الظرفَ مخالفٌ للمبتدأ؛ لأن الخلاف لا يُتصوّرُ أن يكون من واحدٍ، وإنما يكون من اثنين فصاعدًا، فينبغي أن يُقال: زيدًا أمامَك، وعمرًا وراءك، وما أشبه ذلك، فلما لم يجز ذلك دلّ على فساد ما ذهبوا إليه". انتهى. وقد نقل السيوطي في (الاقتراح) كلام الأنباري باختصارٍ غير مخلٍّ؛ لأن الغاية التي سعى إليها هي بيان الاستدلال بالعكس، وأنه لَمَّا لَمْ يكن المبتدأ منصوبًا مع قيام الخلاف به أيضًا دلّ عدمُ نصبه على أن الخلاف لا يكون موجِبًا للنصب في الظرف، وإلا فإن كونَ الخلاف عاملًا في أحدهما دون الآخر تَحكُّمٌ، وترجيحٌ بلا مرجح، فكان عكسُ الحكم دليلًا على نفيه.

رأي البصريين في عامل النصب في الظرف الواقع خبرًا: ذهب جمهور البصريين إلى أن عامل النصب في الظرف الواقع خبرًا هو فعلٌ مقدر، والتقدير: زيدٌ استقرَّ أمامَك، وعمرو استقرّ وراءَك، وذهب بعضهم إلى أنّ عامل النصب اسمُ فاعلٍ، والتقدير: زيدٌ مستقرٌّ أمامك، وعمرو مستقرٌّ وراءك، والقول بتقدير الفعل أولى من تقدير اسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل فرعٌ عن الفعل في العمل، والفعل أصلٌ في العمل، فلما وجب تقدير عاملٍ كان تقدير ما هو الأصل في العمل، وهو الفعل، أولى من تقدير ما هو الفرع فيه، وهو اسمُ الفاعل.

<<  <   >  >>