للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخصوا الاسم بالإعلال؛ لأنه أخف من الصفة، فكان أحمل للأثقل، وهذه علة ضعيفة وليست علة معتدة كما قال ابن جني، ووجه ضعفها وعدم اعتدادها أن الاسم شارك الصفةَ في أشياء أخرى ولم يوجب العرب على أنفسهم التفرقةَ بينهما في جميع ما اشتركَا فيه، ومما اشتركَا فيه تكسيرهما على وزن واحد، فقد قالوا في تكسير حسن وهو صفة: حِسان، كما قالوا في تكسير جبل وهو اسم لا صفة: جبال، فوزن جمع الاسم وجمع الصفة واحد، وهو فعال، وقالوا: رجل غفور، وقوم غفر، وفخور وفُخُر، كما قالوا في تكسير عمود وهو اسم عُمُد، وقالوا: جمل بازل، أي: طلع نابه، وذلك في السنة الثامنة أو التاسعة، وإبل بوازل، وشغل شاغل، وأشغال شواغل، كما قالوا في الاسم: غارب وغوارب، وكاهل وكواهل، فلم يختلف وزن الاسم عن وزن الصفة. ومعنى ذلك: أن علة الفرق بين الاسم والصفة علة ليست مطردة، فدل ذلك على أنها ضعيفة غير مستحكمة؛ لأنها لو كانت مستحكمة لاطردت في جميع المواضع، فجميع ذلك إنما هو استحسان لا عن ضرورة علة، وليس بجار مجرى رفع الفاعل ونصب المفعول، ألا ترى أنه لو كان الفرق بينهما واجبًا لَجَاء في جميع الباب كما أن رفع الفاعل ونصب المفعول منقاد في جميع الباب؟.

والمثال الثاني: ما يخرج عن القياس للتنبيه على أصل الباب في نحو: استحوذ، من قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} (المجادلة: ١٩) وقولهم: أَغْيَلت المرأة ولدَها، أي: أرضعته الغَيْلَ، وهو اللبن الذي ترضعه المرأة ولدها وهي حامل، وأَطْوَلتَ من قول الشاعر:

صددت فأطولتَ الصدودا وقلما ... وِصال على طول الصدود يدوم

وقول العرب: كثرة الشراب مبْوَلة، وقولهم: هو مطيبة للنفس، وقول الراجز:

فإنه أهل لأن يؤكرما

<<  <   >  >>