فقال:"وأما استصحاب الحال فلا يجوز الاستدلال به ما وجد هناك دليل بحال"، ومرتين في كتابه (لمع الأدلة) المرة الأولى عندما ذكر أصول النحو فقال: "أقسام أدلته ثلاثة: نقل، وقياس، واستصحاب حال، ومراتبها كذلك، وكذلك استدلالاتها" فدل كلامه على أن الاستصحاب يقع في المرتبة المتأخرة عن مرتبتي السماع والقياس، والمرة الثانية حين قال عن استصحاب الحال:"استصحاب الحال من أضعف الأدلة، لهذا لا يجوز التمسك به ما وجد هناك دليل".
كما قيل: يظهر كذلك عدم اهتمام الأنباري بالاستصحاب كغيره من الأدلة في أنه ألف كتابه (لمع الأدلة)، وجعله في ثلاثين فصلًا، تحدث فيها عن أقسام أدلة النحو: النقل، والقياس، واستصحاب الحال، وخصص لدليل النقل ستة فصول من الفصل الثالث إلى التاسع، والقياس أربعة عشر فصلًا من الفصل العاشر إلى الرابع والعشرين. أما استصحاب الحال فقد عقد له فصلًا واحدًا هو الفصل التاسع والعشرون. وقلنا: إن نظرة الأنباري إلى الاستصحاب على أنه أضعف الأدلة مظهر آخر من مظاهر تأثره بالفقهاء، فجمهورهم يصف الاستصحاب بأنه أضعف الأدلة، وبأنه آخِر متمسَّك للناظر، وبأنه آخر مدار الفتوى، فإن المفتي إذا سُئل عن حادثة يطلب حكمها في كتاب الله، ثم في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم في الإجماع، ثم في القياس، فإن لم يجد يأخذ حكمها من استصحاب الحال في النفي والإثبات.
ومعنى ما ذكره الأنباري هنا أنه يُشترط لصحة الاحتجاج بالاستصحاب ألا يجد المستدل دليلًا غيره يعارضه، وضرب الأنباري لنا مثلًا على ذلك، فأوضح أنه لا يجوز التمسك بالاستصحاب في إعراب الاسم مع وجود البناء، وهو مشابهة الاسم للحرف، وكذلك لا يجوز التمسك به في بناء الفعل مع وجود دليل الإعراب، وهو مشابهة الفعل للاسم؛ لأن التمسك بالاستصحاب تمسك بعدم الدليل، فإذا قام الدليل بطل التمسك بالأصل. ويستوي أن يكون هذا الدليل