على طريق التجريد يقول: لأجل ترسمك ونظرك دارها التي نزلتْ بها، أسالت عينك دموعها. والشاهد في قوله:"أعن"، أصلها أأن، قلبت بنو تميم وبنو أسد همزة أن عينًا، فقد حصر ابن جني إبدال الهمزة عينًا في حرفين هما: أن وأن، ومثَّل لكل منهما بمثال، ثم علل ابن يعيش اختصاص هذين الحرفين بإبدالهما عينًا، فقال في (شرح المفصل): "وذلك أي: الإبدال في أن وأن خاصة؛ إيثارًا للتخفيف، لكثرة استعمالهما وطولهما بالصلة قالوا: أشهد عنك رسول الله، ولا يجوز مثل ذلك في المكسورة" انتهى. ولو كان إبدال الهمزة عينًا جائزًا في كل همزة مبدوء بها؛ لجاز في إنّ المكسورة، فلما لم يجز دل ذلك على أنه خاص بأن وأن.
رابعًا: الفَحْفَحة؛ وقد نُسبت هذه اللغة إلى هذيل، والمراد بها قلب الحاء عينًا في كلمة حتى، فيقال فيها: عتى، ولم يشر السيوطي -رحمه الله- إلى أن هذا القلب خاص بكلمة حتى فقال:"الفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عينًا"، وكلام السيوطي يوهم أن قبيلة هذيل تقلب الحاء عينًا أينما وقعت، وليس الأمر كذلك، بل الصواب أن هذا القلب خاص بكلمة حتى وحدها. ومن هنا علق محقق (الاقتراح) المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد محمد قاسم -رحمه الله- على كلام السيوطي بقوله:"ظاهر ما قاله السيوطي أن الفحفحة إبدال الحاء عينًا مطلقة، مثل أن نقول في: حال الحول وحل الموعد، عال العول وعل الموعد".
ثم نقل عن المرحوم الدكتور إبراهيم أنيس قوله في كتابه (اللهجات العربية): "وهذا ضعيف لأنه لم يرد به نص عن العرب، والصحيح الذي لا ينبغي العدول عنه هو أن الفحفحة لهجة تخص كلمة واحدة، وهي كلمة حتى، فإن هذيلًا تقلب حاءها عينًا، فتقول: عتى، ويشهد لذلك ويدل عليه قول ابن جني