ومن أمثلة تعليلاته أنه ذكر في كتابه الموسوم بـ (الإيضاح في شرح المفصل) أن الوجه أن المنادى منصوب بفعل مقدر دل عليه حرف نداء، فالقائل: يا زيد ونحوه قد تمَّ كلامه، والحرف وحده مع الاسم لا يشكلان كلامًا، وقال مستدلًّا على ذلك:"لأنا إذا علمنا أن الجملة هي التي تتركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى، وعلمنا أن وضع الحرف لأنْ لا يُسند ولا يسند إليه؛ علم بهاتين المقدمتين أن الحرف والاسم لا ينتظم منهما كلام، وإذا ثبت هذان الأصلان باتفاق، فلا وجه لمن يقول: إن الحرف مع الاسم كلام؛ لأنه مخالف لما علم ثبوته، إذ يلزم منه أن يكون الحرف مسندًا إليه ومسندًا به، وكلاهما باطل، أو يلزم أن يكون أن يوجد كلام من غير إسناد، وهو باطل، فلما لزم منه بطلان أحد الأصلين المذكورين المتفق عليهما؛ عُلم أنه باطل، إذ ما أدَّى إلى الباطل فهو باطل" انتهى.
وهكذا يبني ابن الحاجب تعليله على مقدمتين ونتيجة، كما يفعل المناطقة، وأما ابن مالك فهو أبو عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة من الهجرة بدمشق، وإمام النحويين واللغويين لعصره، وصاحب المؤلفات المنظومة والمنثورة التي تناولها كثير من العلماء بالشرح، والدراسة والتعليق، ونالت أوفى عناية من العلماء المحققين، وترجمت إلى عديد من اللغات الإنسانية؛ فأقبل عليها الطلاب من كل صوب وحَدب، ينهلون من معينها العذب ويرتوون من نبعها الثر، الغزير، الفياض بالخير والعطاء.
وحديث ابن مالك في العلة النحوية يدلك على قوة حجته وسعة اطلاعه، وفائق قدرته على الإقناع بالدليل والبرهان، ونسوق هنا مثالًا واحدًا على براعته