للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحانه: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} (الحاقة: ١، ٢)، و {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} (القارعة: ١، ٢) وقوله:

لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقير

يعني ابن جني: أن وجه الحكم بالقبح على ما قال كلحبة، هو إعادته الاسم الظاهر، وهو المرء بلفظ اسم ظاهر غير لفظه الأول، وهو لفظ الفتى. وكان عليه إما أن يعيد الثاني مضمرًا فيقول: أوشكت حبال الهوينى به، وإما أن يُعيده مظهرًا لكن بلفظ الاسم الأول أي: أن يقول: أوشكت حبال الهوينى بالمرء، واستشهد على إعادة الثاني بلفظه الأول بما جاء في أول سورتي الحاقة والقارعة، وببيت من شواهد سيبويه في (الكتاب) منسوب إلى سواد بن عدي. وقد ذكر السيرافي في شرحه على (الكتاب) أن الاسم الظاهر متى احتيج إلى تكريره في جملة واحدة، كان الاختيار أن يذكر ضميره؛ لأن ذلك أخفَّ، وأنفى للشبهة، واللبس، ولو أعدت لفظه بعينه في موضع ضميره؛ لجاز، ولم يكن ذلك وجه الكلام، وإذا أعدت ذكره في غير تلك الجملة جاز إعادة ظاهره وحسن، كقولك: مررت بزيد، وزيد رجل صالح، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: ١٢٤) فأعاد الظاهر؛ لأن قوله: {اللهُ أَعْلَمُ} جملة ابتداء وخبر وقد مرت الجملة الأولى" انتهى.

وإنما تعيد العرب الظاهر بلفظه في جملة واحدة في مقام التفخيم أو التهويل كقوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (الواقعة: ٨)، وقوله عز وجل: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ}. ونعود إلى مواصلة حديث ابن جني عن بيت كلحبة حيث قال: "ويمكن أن يجعله جاعل سبب الحسن". يعني: يمكن أن يجعل جاعل

<<  <   >  >>