للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يظهر أصلًا، ولأن الصفة ليست على هذا البناء، وإذا بطل كونها حرفًا وكونها اسمًا؛ ثبت أنها فعل. انتهى.

أي: وإنما يدل بطلان كونهما حرفين أو اسمين على ثبوت كونهما فعلين، لأن أنواع الكلمة منحصرة في الأنواع الثلاثة بالاستقراء، ويدل على فعليتهما مع ذلك اتصال تاء التأنيث بهما. أما ادعاء اسميتهما بدليل دخول حرف الجر عليهما، فيما حكى أبو بكر بن الأنباري عن أبي العباس أحمد بن ثعلب عن سلمة، عن الفراء أن أعرابيًّا بُشر بمولودة فقيل له: نعم المولودة مولودتك، فقال: والله ما هي بنعم المولودة، نصرتها بكاء، وبرها سرقة. وحُكي عن بعض فصحاء العرب أنه قال: نِعْم السير على بئس العير، فقد أوَّلوه بأن الحكاية فيه مقدرة، وحرف الجر يدخل مع تقدير الحكاية على ما لا شبهة في فعليته، فالتقدير: والله ما هي بمولودة مقول فيها: نعم المولودة، ونعم السير على عير مقول فيه: بئس العير. إلا أنهم حذفوا الموصوف وأقاموا الصفة مقامه، فصار التقدير: ما هي بمقول فيها نعم المولودة، ونعم السير على مقول فيه بئس العير. ثم حذفوا الصفة التي هي مقول، وأقاموا المحكي بها مقامها؛ لأن القول يُحذف كثيرًا كما يُذكر كثيرًا، فدخل حرف الجر على الفعل لفظًا، وإن كان داخلًا على غيره تقديرًا، كما هو مبسوط في محله.

فقد أثبت العكبري أن نعم وبئس فعلان بطريق السبر والتقسيم، فذكر أنهما ليسا حرفين بإجماع النحاة؛ فالخلاف بين النحاة منحصر في قولين؛ أحدهما: أنهما اسمان، والآخر: أنهما فعلان، يبطل أن يكونا اسمين؛ لأنهما مبنيان على الفتح، ولا سبب للبناء؛ إذ لا مشابهة بينهما وبين الحرف، ولا يُبنى من الأسماء إلا ما أشبه الحرف عند أكثر النحويين، يقول ابن مالك -رحمه الله- في ألفيته:

والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني

<<  <   >  >>